اللعب بالنار

 

الجزائر منتبهة جيدا لما يُحاك حولها، و تتابع بمنتهى اليقظة و الحذر مستجدات و تطورات الأوضاع في جوارها الإقليمي الذي يشهد حالة شبه مزمنة من الاضطرابات و الاستقرار.

و تتوفر الدبلوماسية الجزائرية، على كل الأدوات لمعرفة و متابعة " كواليس" التواطؤ المعلن بين الحكومة الإسبانية التي يرأسها  بيدرو سانتشيز، و حكومة نظام المخزن بقيادة عزيز أخنوش؛ لاسيما بعد الصفقة المشبوهة بين الطرفين، و التي أعلن سانشيز بموجبها عن دعمه لاستمرار المغرب في احتلاله للصحراء الغربية تحت غطاء ما يسميه الحكم الذاتي المقترح على الصحراويين، في إطار السيادة المغربية المزعومة على هذا الإقليم المحتل، و ذلك في مقابل أن تقوم سلطات المخزن بتوقيف أمواج المهاجرين غير الشرعيين... ورقة الابتزاز التي استعملتها الرباط لحمل مدريد على التنصل من مسؤوليتها و التزاماتها الأخلاقية و التاريخية تجاه مستعمرتها القديمة، التي قام المغرب بضمها إلى ترابه منذ 1975 غير آبهٍ بكل قوانين و لوائح الشرعية الدولية.

و قد تفطنت الدبلوماسية الجزائرية إلى الصفقة الجديدة التي كانت حكومة أخنوش بصدد عقدها مع حكومة سانشيز، و ذلك من خلال الحصول على جزء من الغاز الذي تقوم الجزائر بتصديره إلى إسبانيا، بموجب العقود طويلة المدى المبرمة معها. و كانت الحكومة المغربية عبر مثل هذه الطرق الملتوية و الاحتيالية، تحاول إيجاد مخرج للأزمة الطاقوية الخانقة التي تعيشها، و قفزت معها أسعار الوقود إلى أعلى مستوياتها، و جعلت سعر المازوت يتجاوز لأول مرة سعر البنزين. و ذلك بعد أن أصبحت المملكة لا تستفيد من خدمات أنبوب الغاز الذي كان يعبر ترابها باتجاه اسبانيا، في أعقاب الموقف السيادي الذي اتخذته الجزائر بتحويل صادراتها الغازية إلى إسبانيا عبر الأنبوب البحري "ميدغاز".

و قد كان السفير الجزائري بروما عبد الكريم طواهرية في منتهى الصرامة، حينما حذر مدريد بعبارات صريحة، بأن الجزائر لن تتردد في قطع إمدادات الغاز الطبيعي عن إسبانيا إذا أصرت على  عدم احترام الاتفاقيات الموقعة بين البلدين وتحويل الغاز الجزائري إلى وجهة ثالثة، في إشارة واضحة إلى المغرب.   و أدركت مدريد جدية التحذير الجزائري، فسارعت عن طريق وزير خارجيتها خوسيه مانويل ألباريس إلى طلب وساطة ومساعدة ممثل السياسة الخارجية والدفاع في المفوضية الأوروبية جوسيب بوريل، من أجل القيام بوساطة مع الجزائر لتجاوز هذه الأزمة وتفادي أزمة وقود بإسبانيا لاسيما وان الجزائر تضمن احتياجات اسبانيا من الغاز الطبيعي بأكثر من 70 بالمائة منذ عقود .

الحكومة الإسبانية ردت على التحذير الجزائري وقالت أنها لن تعيد بيع الغاز الجزائري لجهة أخرى وخاصة المملكة المغربية من خلال الضخ العكسي عبر الأنبوب الذي توقف قبل أشهر.

ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية عن مصادر حكومية تأكيدها أن ما تم هو استجابة لطلب مغربي، في إطار تجاري بحت، من أجل مساعدته في سد حاجاته الطاقوية بضخ عكسي للغاز الذي يشتريه من السوق الدولية.

آخر الكلام.. إذا كان الغاز الذي يصل إلى المملكة المغربية، يتم فعلا اقتناؤه من السوق الدولية، فأقل ما يثبت ذلك هو الوثائق القانونية لعمليات الشراء، ثم التزام مدريد بعدم الضخ العكسي عبر الأنبوب المتوقف.. الغاز سريع الالتهاب والذي يلعب بالنار سيحترق بها هو أولا.

محمد مصباح