أبو عبيدة عامر ابن الجراح أمين الأمة

أبو عبيدة عامر ابن الجراح أمين الأمة

«إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنًا، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ» رواه البخاري ومسلم ، هذه شهادة رسول الله ﷺ وخيرته من خلقة لأبي عبيدة بن الجراح فأنعم بها من شهادة، فمن هو أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

نسبه وكنيته:

هو أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي رضي الله عنه، أبو عبيدة، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده، وأمه أميمة بنت غنم[الطبقات الكبرى لابن سعد (3/409)، ولد سنة 40 قبل الهجرة، 584م. وكان رجلاً نَحِيفًا مَعْرُوقَ الوجه، خَفِيفَ اللِّحْيَةِ، طُوَالًا، أَحَنَى أَثْرَمَ الثَّنِيَّتَيْنِ.

وبالرغم أن المصادر التاريخية لم تذكر شيئًا كثيرًا عن حياة أبي عبيدة قبل الإسلام أو عن أسرته برغم كونه قرشيًّا، إلا أنَّ ذلك ربما يشير أنَّ حياة ذلك الصحابي الحقيقية ربما بدأت مع إسلامه؛ فقد سارع أبو عبيدة رضي الله عنه للإسلام في أيامه الأولى ليكون من السابقين الأولين.

قصة إسلام أبي عبيدة

 كان أبو عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه- من السّابقين للإسلام؛ فقد أسلم على يد الصّحابي أبي بكر الصّديق -رضي الله عنه-، والذي كان يتخيّر من يرى فيه النّضج والحكمة ليدعوه لدين الإسلام، وكان من بين هؤلاء أبي عبيدة -رضي الله عنه-؛ فقد توسّم فيه صفاء سريرته ورجاحة عقله، وقام من أجل ذلك بدعوته إلى الإسلام وسرعان ما استجاب أبو عبيدة له ولدعوته، وبعدها ذهب مع أبي بكر الصديق وجماعة آخرين من بينهم عبد الرّحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون وغيرهم إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، والذي حدّثهم عن دين الإسلام وتعاليمه، فما كان منهم إلا أن أسلموا جميعاً في آنٍ واحد، ولم يكن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- قد دخل دار الأرقم بن أبي الأرقم بعد، وكان أبو عبيدة حينها يبلغ من العمر خمسةً وعشرين عاماً؛ أي أنَّه كان في سنّ اكتمال العقل والنّضج.[ احمد شرباصي، امين الامة ابو عبيدة عمر بن الجراح، صفحة 16-17. بتصرّف.]  وقد واجه أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- ما واجهه المسلمون في بداية الدّعوة من الصدّ والأذى، وهاجر مع الصّحابة -رضوان الله عليهم- عندما هاجروا إلى الحبشة في الهجرة الثّانية، ولمّا علم بمبايعة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للأنصار عاد إلى مكّة المكرّمة، ليهاجر بعدها مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والصّحابة إلى المدينة المنورة، ونزل عند كلثوم بن الهدم، وآخاه الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- مع محمد بن مسلمة -رضي الله عنهم جميعاً-.[عبد العزيز الشناوي، صديقان في الجنة الزبير بن العوام ابو عبيدة بن الجراح، صفحة 34. بتصرّف.]..

من مناقب أبي عبيدة بن الجراح:
هو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهاجر الهجرتين وشهد بدراً وما بعدها وهو الذي انتزع حلقتي المغفر من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنيتاه بسبب ذلك وثبت يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انهزم الناس.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يُثني عليه، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعمَ الرَّجلُ أبو بَكْرٍ، نِعمَ الرَّجلُ عمرُ، نِعمَ الرَّجلُ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ، نِعمَ الرَّجلُ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، نِعمَ الرَّجلُ ثابتُ بنُ قَيسِ بنِ شمَّاسٍ، نِعمَ الرَّجلُ معاذُ بنُ جبلٍ، نِعمَ الرَّجلُ معاذُ بنُ عمرِو بنِ الجموحِ». رواه الترمدي
وعن عبد الله بن شقيق قال: قلتُ لعائشةَ أيُّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ أحبَّ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالت أبو بَكْرٍ قلتُ ثمَّ مَن قالَت عمرُ قلتُ ثمَّ من قالت ثمَّ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ قال قلتُ ثمَّ من قال فسَكَتَت.

قصة جهاد أبي عبيدة وشجاعته

عُرف أبو عبيدة -رضي الله عنه- بالشّجاعة وحبّ الجهاد، وكان يُلقّبه النّبي -عليه الصلاة والسلام- بالقويّ الأمين، وقد شهد أبو عبيدة مع رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- المشاهد والغزوات كلّها ولم يتخلّف عن أحدها، وكان يُؤمّر على السّرايا في عهد النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- لِما يتمتّع به من ذكاءٍ عسكري وقيادة ناجحة. وقد روي أنّ أبا عبيدة قتل أباه في غزوة بدر، وكان أبوه مشركاً حينئذ، فأنزل الله -تعالى- فيه قوله: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ)،سورة المجادلة الآية 26، غير أنّ هذه القصّة لم يثبت صحّة سندها ولم يرد فيها حديث صحيح أو حتّى حديث ضعيف، وقد رجّح بعض العلماء وفاة والده قبل الإسلام.[ محمد شراب، أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية، صفحة 71-73. بتصرّف.] استمرّ أبو عبيدة في قتاله واستبساله في عهد الخلفاء الرّاشدين، وشارك في حروب الرّدة وحرب مسليمة الكذّاب، وكان أحد أمراء الأجناد الذّين ذهبوا لفتح الشّام، وقد شارك في وقعة أجنادين، ووقعة السّماوة، ومرج الصّفر، وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جعله قائداً مكان خالد بن الوليد لفتح دمشق، فكان النّصر حليفاً للمسلمين، وقد صالحهم القائد أبو عبيدة حينها على نصف ممتلكاتهم وكنائسهم..