الساحل الإفريقي على فوهة بركان ..خرجة

الساحل الإفريقي على فوهة بركان ..خرجة "ترامب" تسقط الأقنعة

أثار اعتراف الرئيس الأمريكي المنتهية صلاحيته، رونالد ترامب، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، موجة من القلاقل وردود أفعال متباينة، إقليميا ودوليا، كما خرجت بعض الدول ذات الوزن الثقيل عن صمتها، حيث اعتبر البعض أن هذه الخرجة ستشكل منعرجا حاسما في تحديد ملامح العلاقات وإظهار حقيقة التحالفات والتجاذبات الدولية وإسقاط الأقنعة وكشف مستور ما يحوم حول منطقة الساحل الإفريقي، التي باتت خشبة لعرض أدوار صراع ذات بعد عالمي، وبين شرعية "تغريدة" ترامب من عدمها، تبقى أنها شرارة أشعلت فتيل التحركات الحاسمة للقوى المسيطرة ومن يعتبرون أنهم أوصياء على المنطقة، في حين تبقى الجزائر التي تشكل القوة الأولى في المنطقة تتابع وتحرّك الدواليب بحنكة وعقلانية ولّدتها سنوات الغيرة على منطقة الساحل وإفريقيا ككل.

"تغريدة" ترامب مجرد تصريح سياسي

العارفون بالقانون الأمريكي يعلمون جيّدا أنه في حالة خسارة مترشح حتى ولو كان رئيس سابق لأمريكا في الانتخابات، لا يحق له أخذ أي قرار يخص العلاقات الخارجية، حيث يسحب منه ملف الخارجية بعد الخسارة آليا، وما يمكن أن يفعله هو تصريحات سياسية وفقط، وحسب ذات القانون يبقى الرئيس السابق يسير الأمور الداخلية فقط، إلى غاية تسليم واستلام المهام، وما لا يعرفه الكثير أن هناك فرق كبير بين الإدارة الأمريكية الممثلة في المؤسسات الهامة مثل البنتاغون، وزارة الخارجية وغيرها، وبين ما نسميه بالبيت الأبيض الذي يحتضن تصريحات الرئيس،  فالأولى ملزمة بقرارات عملية وعليها تبنى علاقات أمريكا الخارجية، والثاني مجرد منبع لقرارات سياسية حتى ولو كانت مراسم رئاسية فهي لا تلزم الولايات المتحدة بالانصياع لها، وهو الأمر الذي جعل عدة فعاليات داخل أمريكا تناهض هذه الخرجة، حيث صرّح رئيس لجنة الدفاع في الكونغرس الأمريكي، السيناتور عن ولاية أوكلاهوما السيد جيم أنهوف، أن "ما قام به ترامب صادم ومخيب للآمال، ولن يغير موقف المجتمع الدولي"، بدوره يؤكد السيناتور السيناتور باتريك ليهي بذات الهيئة، "أن ترامب بخسارته في الانتخابات الأخيرة لا يمكنه أن يقرر أمر دولي مثل هذا"، ناهيك عن التصريحات وردود الأفعال المستنكرة لهذه الخرجة المبنية فقط على عامل التطبيع مع إسرائيل، كون أن المغرب أعلنت عن ذلك قبل أسابيع.

هذه هي أمريكا ولكن ..

الغريب في كلام ترامب حول الصحراء الغربية، أنه لم يقدم أي شيء كضمان للمغرب حول سيادته للصحراء الغربية إلا السياق التاريخي باعتراف المملكة المغربية بأمريكا فقط، وهذه هي أمريكا التي تجيد المراوغة، لأنه لو كان الموقف الأمريكي الرسمي مع السيادة المغربية للصحراء حقا لوضع ترامب آليات لتحقيق هذه السيادة بدل دعمه بالكلام فقط، فأمريكا تملك تفعيل الآليات وهذا ملاحظ في عملها، ولكن عند المراوغة تكتفي بالكلام دون الأفعال وتترك الجميع يفسر كلامها إلى أن تقرع الجميع بأفعالها.

أمريكا لديها ثابت واحد في سياستها الخارجية والباقي كله مجرد تصريحات فارغة لا تقدم ولا تؤخر، هذا الثابت هو بقاء هيمنتها فوق الجميع، أي تقييد الكل بالكل، ومن ذلك الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني في المنطقة والمحافظة على تفوقه وتحقيق المزيد من المكاسب والانتصارات له على الأرض جغرافيا، عسكريا، واقتصاديا، وثقافيا.

ضغط أندري أزولاي

قد يطرح البعض تساءل، لماذا ترامب اختار المغرب بالذات في خرجته؟ وهذا ما يقودنا إلى عمق القضية، الذي يكشف وجود ضغط من طرف، أندري أزولاي، مستشار ملك المغرب ومهندس العلاقات من إسرائيل، حيث ضغط على المغرب لإشعال ما يسمى الحرب على بوليزاريو في مقابل حذو ما قامت به الإمارات، لكن الخطأ التقديري، الذي وقع فيه أزولاي هو تقديمه وعد لملك المغرب، على سيتحكم في اللوبي الصهيوني الأمريكي، وأنه في حالة فوز ترامب برئاسة أمريكا فإنه سيقوم باستثمار أموال ضخمة في المغرب والضغط على الإدارة الأمريكية لاعطائه ما يريد من الأسلحة، وهو ما جعل ترامب "الخاسر" في الانتخابات يصرح خلال تغريدته الأخيرة، عن وجود صفقة محتملة لتزويد الرباط بطائرات مسيرة، وكذا فتح قنصلية في مدينة الداخلة تقوم بمهام اقتصادية، من أجل تشجيع الاستثمارات الأميركية، لكن هذا كان قد يتحقق لو أن ترامب فاز بالرئاسة.

ردود فعل متباينة

خلّفت خرجة ترامب ردود أفعال متباينة، حيث اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، خرجة ترامب "قرار من جانب واحد ضد القانون الدولي وضد قرارات مجلس الأمن"، في حين وصف السفير الصحراوي في الجزائر، عبد القادر طالب عمر، اعتراف ترامب بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية، "بأنه فاقد للشرعية تماما"، مؤكدا "أن ترامب لا يملك السيادة على الصحراء الغربية، وإعلانه مخالف لكل القرارات الأممية والقانون الدولي، ويأتي في نهاية عهدته، وانتخاب رئيس جديد يختلف في الكثير من المواقف عن ترامب".

وهناك من ربط القضية بتعليق الناتو عضوية تركيا بعد ضغط ألمانيا وفرنسا، وبدورها تركيا سارعت للوقوف مع الجهة المناهضة لقرار ترامب، بحشر أنفها في المنطقة، من خلال بوابة ليبيا بعدما رئيس مصر، السيسي، بتطبيع المغرب مع اسرائيل، خاصة وأن موقف السيسي له بعد بطبخة في ليبيا على مقربة من الحدود الجزائرية، وتركيا لها يد في المنطقة ودخلت في صراع مع مصر منذ أسابيع.

سفيان خرفي