أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي، محمد بوضياف في حوار مع "عين الجزائر":رجال النظام السابق حاولوا منع تطبيق برنامج الرئيس تبون"
- الصحفي ابتسام مباركي --
- 2020-12-13 --
- 17:10:56
أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة المسيلة، محمد بوضياف، أن الرئيس تبون
حاول منذ توليه الحكم ربح رهان التوافق من خلال تعيين بعض وجوه الحراك وكسر الجليد
مع ما يسمى بالقوى الديمقراطية والاسلامية، ما يؤكد عزيمته في تحقيق التغيير الذي
وعد به خلال الحملة الانتخابية رغم الظروف الصحية التي تمر بها البلاد بسبب
الفيروس التاجي منذ شهر مارس الماضي.
وأفاد المحلل السياسي في حوار مع "عين
الجزائر" تعرض برنامج الرئيس لمؤامرة ومحاولة لتثبيط تطبيقه من قبل بعض
الدوائر الذين يتقدمهم محترفو السياسة من رجال الإعلام ممن كان في خدمة النظام
القديم، والذين استطاعوا غرس بذور الشك والضبابية أمام كل خطوة يقوم بها الرئيس أو
حكومته.
واعتبر المتحدث تطبيع المغرب علاقاته مع الكيان الصهيوني
منتظرا وليس مفاجئا، في حين أوضح أن اعتراف ترامب بمغربية الصحراء الغربية ما هو
إلا رد عنيف ومتهور على الموقف الجزائري برفض التطبيع ومحاولة لتحييد الدولة
الجزائرية في ملف الصحراء الغربية.
يمر عام من تولي رئيس تبون رئاسة الجمهورية، كيف
تقيمونه سياسيا؟
تقييم أداء الرئيس بعد سنة من توليه زمام الحكم في
الجزائر يتوقف على مدى تنفيذه للالتزامات التي تقدم بها للشعب الجزائري، ومدى رضا
هذا الأخير على أدائه، باعتبار الظروف التي تمر بها البلاد والمتمثلة أساسا في
استمرار الأزمة الصحية من جراء جائحة كورونا، وتراجع أسعار النفط
وهما سببان عطلا حركة الحكومة وأرهقا الاقتصاد الوطني
وغيرا أولويات المشروع الوطني ليتحول إلى التضامن والأبعاد الاجتماعية، وهنا لا بد
من الإشارة إلى أن هذا المشهد مس الكثير من الدول وأربك الحكومات.
وعلى مستوى الصراع السياسي حاول الرئيس ربح رهان التوافق
من خلال تعيين بعض وجوه الحراك وكسر الجليد مع ما يسمى بالقوى الديمقراطية
والاسلامية بالتوازي مع انفتاح إعلامي كان يهدف إلى التأسيس للشفافية
والوضوح، تقدم الرئيس بمشروع تمهيدي لتعديل الدستور لتنفيذ أول تعهداته وكلف
الدكتور لعرابة بذلك والذي لم يحض بقبول الكثير من القوى النشطة خاصة من
الاسلاميين، لكن الاستفتاء على الدستور مرّ بنسبة محتشمة لم تتمكن من التعويض
المنتظر لنسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية، وقد تعود الأسباب في ذلك الى
ابتعاده عن القوى السياسية التقليدية ( جبهة التحرير الوطني ن والتجمع الوطني
الديمقراطي ) والتي لفضهما الحراك وأقصاهما، وقصرا هما من جهتهما في التعبئة
السياسية وخسرا فرصتهما لإعادة الاعتبار لتنظيميهما، كما أن تنظيمات المجتمع
المدني التي راهن عليهما الرئيس لم تفلح في سد ثغرات عجز المشروعية.
وعلى مستوى بناء القوة وباعتبار مساندة المؤسسة العسكرية
ووقوفها إلى جانب الاصلاحات وتعزيز مسار التغيير الدستوري استطاع الرئيس تبون
الصمود أمام حملات التشويه والتعطيل التي خاضتها بعض القوى المتطرفة التي تتكشف كل
يوم خاصة بعد التدخل السافر من بعض الدول الاستعمارية والتحريض على العودة إلى
فكرة المراحل الانتقالية والمجالس التأسيسية، على العموم فإن الرئيس وبغض النظر عن
مرضه الذي طال والأزمات العاصفة التي تعرفها البلاد استطاع أن يسير نظام الحكم
بعزيمة من يريد أن يوفق بين القوى المتنافرة والمتناقضة وقد يكون يحضر لخارطة
سياسية جديدة تمهد لها حركة المجتمع المدني لكن المرض عطل بعض الاندفاع والحماس
لذلك ونتمنى ان يستعيد الرئيس عافيته حتى لا نرجع الى نقطة الصفر.
الدستور مر بتزكية الشعب الجزائري له، هل سيساعد
الرئيس في اكمال عهدته؟
الدستور يحتاج إلى صدوره في الجريدة الرسمية وليس هناك
أي سبيل لدخوله الخدمة ما لم يتم ذلك رغم افتاء المجلس الدستوري في الأمر، واذا
طال مرض الرئيس فإن مؤسسات الدولة الجزائرية ممثلة في البرلمان يمكنها تحريك
الاجراءات الخاصة بمرض الرئيس المادة 102 من الدستور القديم، لكن بيانات الرئاسة
المتعاقبة تؤكد على ان الرئيس في فترة نقاهة وأن عودته وشيكة، ولا أعتقد أن
الجزائريين متحمسين لإعادة مشاهد الفترة الماضية وعلى الكل تحمل مسؤولياتهم خاصة وأننا
نعيش تهديدات حقيقية، أظن أن من يرسل الاشارات بأن الرئيس بخير يجب أن يعي ويستشعر
خطورة البيانات فالوضع لا يحتمل والوضوح سيكون في صالح الاستقرار.
الرئيس تحدث في كثير المرات عن قوى تثبط وتكبح رغبات
التغيير، في رأيكم إلى أي مدى عرقلة هذه القوى تطبيق ما يبغيه الرئيس؟
لا يمكن لأي جزائري عاقل التغاضي عن التثبيط الذي تمارسه
بعض الدوائر في عرقلة برنامج الرئيس وأول هؤلاء هم محترفو السياسة من رجال الاعلام
ممن كان في خدمة النظام القديم المتحالف مع الكومبرادور الجزائري، والذين استطاعوا
غرس بذور الشك والضبابية أمام كل خطوة يقوم بها الرئيس أو حكومته، ثم اولئك الذين
لا يزالون في دواليب الحكم سواء في الإدارة أو المصالح الخدماتية فقد شاهدنا كيف
عرقل مسؤولون إداريون في حجم ولاة ورؤساء دوائر مخطط الحكومة وأولويتها فيما يتعلق
بالرقمنة أو الاستثمار أو مسؤولين تقنيين مثل ما حصل على مستوى مراكز البريد
والبنوك وأزمة السيولة التي أرهقت المواطن.
ينتظرنا في المستقبل القريب تشريعيات ومحليات كذلك،
هل تغيير تشكيلة البرلمان سيكون له أثر ايجابي على الساحة السياسية؟
يراهن رئيس الجمهورية على تنظيمات المجتمع المدني
تمهد لخلق طبقة سياسية جديدة بعيدة عن المال الفاسد والترهل الحزبي العاجز
عن التعبئة والمبادرة، وهي فكرة من حيث المبدأ جيدة فالذي لا تستهويه خدمة المجتمع
بعيدا عن الانتفاع والوظيفية لن يكون سياسيا ناجحا، لكن هذا الرهان سيصطدم
باحتياجات التسيير ويصعب معها هيكلة التمثيل الشعبي، خاصة مع التأخر الذي سببته
الجائحة بالإضافة إلى مرض الرئيس، اعتقد أن الظروف ستطيل في عمر الأحزاب التقليدية
خاصة والجزائر تخوض صراعا يكاد يخرج إلى العلن مع قوى الاستعمار التقليدية زيادة
عليها التحرش المغربي بالجزائر مما يجعل تنفيذ أي برنامج جديد مؤجل إلى غاية استقرار
الاوضاع وعودة الحياة لطبيعتها.
هل أضحت لنا مكانة خارجيا الأن مقارنة بما كانت عليه
في الماضي القريب ؟
تحالفات الجزائر تتجدد، وتحاول بكل إرادتها التخلص من
براثن الارتباط مع قوى الاستعمار القديم، ونحن اليوم في قلب رهان التحالف الروسي
الصيني سواء رغبة الروس في العودة الى قيادة السياسة الدولية أو الرهان الصيني مع
مشروع طريق الحرير والسياسة الافريقية للصين، وكليهما يتقاطع مع طموحات الجزائر في
النهضة والعودة إلى قيادة افريقيا التي تشهد محاولة للتمرد على قوى الاستعمار
والجزائر تعتبر محط أنظار كل الافارقة.
المغرب طبع رسميا مع علاقاته مع الكيان الصهيوني، ما
انعكاس هذه الخطوة على الجزائر؟
اعتراف الولايات المتحدة الامريكية ( القرار الرئاسي
لترامب ) بمغربية الصحراء الغربية وعزمها على فتح قنصلية بها ، هو رد عنيف
ومتهور على الموقف الجزائري برفض التطبيع ووصف السلوك الخليجي تجاه الصراع
مع الكيان الصهيوني ب" الهرولة "، الاعتراف هو محاولة لتحييد
الدولة الجزائرية في القضية الصحراوية اذ أن التحالف الأمريكي الفرنسي سيعمل
بالتدريج على نعت المقاومة الصحراوية ووصفها بالإرهاب وان من يدعمها ويفتح لها
أراضيه هو حام وداعم للإرهاب، وهو اعتداء سافر على ميثاق الأمم المتحدة، التي يبدو
أنها انتهت من جراء الاختراقات المتكررة لميثاقها ولم تعد في الخدمة، كما أنه
اعتداء على حقوق الانسان والشعوب، وهو كذلك خطوة خطيرة نحو زعزعة الوضع في
المنطقة سيضع القوى الفاعلة في المجتمع الدولي امام تحد ومسؤوليات جسام.
الاعتراف كذلك هو تعطيل للمشروع الافريقي الذي يعتبر حلا
للأزمة الاقتصادية العالمية، والذي كان على وشك ادماج القارة السمراء في المنظومة
الاقتصادية العالمية، ورفضا صارخا لمبدأ التنافسية والتعددية الذي صدعت به رؤوسنا
الدول الغربية.
الاعتراف الأمريكي امعان في التأزيم الذي يتوافق
ومخططاته الشرق اوسطية، وإعلان واضح يتجاوز الدور الفرنسي وسقوط لكل المشاريع
الأورومتوسطية والاتجاه بخطى حثيثة نحو نموذج للحرب الباردة ان لم تكن حرب طاحنة
تكون ساحات شمال افريقيا كلها مسرحا لها باعتبار تطورات الملف الليبي والساحل.
لهذا فإن تطبيع المغرب علاقاته مع الكيان الصهيوني لم
يكن مفاجئا، ولم تكن سوى قضية وقت، فضرب العراق وسوريا ركني الوطن العربي بسبب
مواقفهما من السياسة الأمريكية في المنطقة، ورفضهم للكيان الصهيوني كانا مؤشرين
واضحين لبداية لحملة صهيو -مسيحية تستهدف كل صمود ومقاومة.
لقد أصبح مكشوفا مخطط هؤلاء، ولم تعد الشرعية الدولية
مرجعا كافيا لحل الخلافات الدولية بسبب التلون والكيل بمكيالين من قوى الغرب
الاستعماري، كما أن سياسة عدم الانحياز ستوفر مساحات جديدة للاستعمار، ولا بد من
التحصن بتحالفات جديدة وتشجيع الجيران الأفارقة على ذلك، والاستماتة على الحفاظ
على المكتسبات.
