قسنطينية بإمتياز ..حمص دوبل زيت أكلة شعبية تجذب برائحتها  وتقنع متذوقيها

قسنطينية بإمتياز ..حمص دوبل زيت أكلة شعبية تجذب برائحتها وتقنع متذوقيها

عين الجزائر - تشتهر مدينة قسنطينة بالأطباق التقليدية التي تطهى في الأعراس كالشخشوخة والمحور وطاجين العين وشباح الصفرة  والرفيس، كما تعرف مدينة الصخر العتيق بطبق يتربع على الصدارة في سائر الأيام ،وخاصة في فصل الشتاء وهو طبق الحمص دوبل زيت.

 

 فلا أحد ينكر على قسنطينة اختصاصها في هذه الأكلة التي أقل ما يقال عنها إنها أكلة المواطن البسيط، رغم أنها تجلب حتى أصحاب والمال، فلا أحد يزور قسنطينة ولا يرغب في أكل صحن من الحمص دوبل زيت التي تجذبه الرائحة المميزة لمحلات الأكلة الشعبية.

 

ويقصدها الجميع وحتى زوار المنطقة ممن سبق وعششت رائحتها الزكية في ثنايا حواسهم.
أكلة الحمص بقسنطينة في السنوات الفارطة كانت تقتصر على مناطق محددة فقط بوسط المدينة القديمة،  ولعل أشهر محلاتها للإخوة بوعكباش بالحي الشهير ( ري بوتي ) ،حيث كانت تقدم داخل محلات مميزة بمجرد رؤيتها تعرف أنها مختصة في تقديم أكلة الحمص، وهي محلات تتميز بحجمها الصغير وتعرف من مدخلها الذي ترى فيه القدر الكبير للحمص الذي يطهى على الجمر طيلة الليل ليقدم في أولى ساعات الفجر.
محلات الحمص برحبة الجمال والتي تلقى في الآونة الاخيرة منافسة كبيرة حتى من طرف المطاعم الكبيرة بقسنطينة، ما زالت تحافظ على زبائنها، خاصة مع طريقة الترحيب المميزة والتي يسهر عليها أصحاب المحلات وعمالهم، حيث يصطف بعض الشباب داخل المطاعم المتجاورة التي تتميز بصغر مساحتها أمام أبواب محلاتهم وبكلمات بسيطة يستطيعون كسب ود المارة، فعندما تمر بجانب المحلات ترن في أذنك كلمات بسيطة مع ابتسامة عريضة: "مرحبا بك تفضل حمص مطهو على الجمر في انتظارك."... وغيرها من العبارات التي تصطاد الزبائن.
وحافظت مطاعم الحمص الصغيرة على ديكورها التقليدي القديم وهي منظمة بشكل خاص، وعند ولوجك المحل بصعوبة لضيق المكان تجد مجوعة من الكراسي مرتبة باتجاه جدران على شكل الحجرة حتى لا يهتم الزبون بأي شخص آخر سوى صحن حمصه الذي يوضع فوق رفوف خشبية في العادة تضم أقداحا معدنية أو بلاستيكية للماء.
وعن طريقة تقديم الحمص داخل المحل، فهي نفسها بأغلب المحلات، حيث تقدم الوجبة في مدخل المحل ليحمل الزبون صحنه ويتوجه الى مكانه حاملا معه نصف قطعة خبز، وفي حالة أراد المزيد من الخبز ما عليه إلا مناداة الخادم.


بعض عشاق هذه الأكلة من تجار وحرفيين كانوا يتوجهون مباشرة بعد أداء صلاة الفجر لتناول هذا الطبق الذي يمكنهم من قطع الطريق أمام الجوع الى غاية ساعات متأخرة من الزوال.


ويعد هذا الطبق وجبة كاملة، فإضافة الى غناه بالمواد النشوية والبروتينات النباتية، فهو يحتوي على مواد دسمة تتمثل في زيت الزيتون، حيث يقدم بكيلة واحدة (مقدار واحد من الزيت) أو بكيلتين (مقدارين من الزيت) ولذلك يسمى بالحمص دوبل زيت،  إلى جانب الحشيش ( مزيج بين المقدونس والبصل ..) ويستحب في تناوله إضافة بعض البهارات التي لا يجب التفريط فيها للحصول على ذوق لذيذ. وعلى رأسها الكمون، لكونه يساعد في عملية الهضم وطرد الغازات.
وللقضاء على الدسم الموجود بالحمص يفضل إضافة شريحة من الليمون أو القليل من مادة الخل، دون التفريط في الخلطة المعروفة باسم الحشيش كما سبق ذكره ، وهي خلطة مكونة من البصل المفروم و»الدبشة« المقطعة قطعا صغيرة، والهريسة لمن يحب كما يضاف للحمص بعض قطع اللحم المشوي لمن استطاع إليه سبيلا.
ورغم أن الأكلة أخذت تسمية الحمص القسنطيني وعرفت انتشارا كبيرا بمدينة الجسور المعلقة، إلا أن مصدرها حسب تأكيد العارفين كان من المناطق المجاورة لقسنطينة، حيث يظهر ذلك جليا من خلال أصول المختصين في تحضير هذا الطبق وخاصة من ولاية جيجل .

 

وحسب أحد بائعي هذه الأكلة، المدعو “عمي علاوة”، والذي رحب بنا بعد أن عرف هويتنا، قائلا إن هذه الأكلة ورثت أبا عن جد منذ سنة 1935، بحي السويقة. هذا الحي الذي هجره الكثير ليعبر عن أسفه، بالقول “إن عدد زائري هذا الحي بدأ ينقص مقارنة بالسنوات الأخرى، وهذا بعد أن عرفت قسنطينة توسعات عمرانية جديدة، تسببت في زحمة مرور خانقة.”

أما عمي أحمد أحد التجار القدماء، والذي اشتهر هو الأخر بطبخ هذه الأكلة الشعبية التي ورثها عن أجداده، فيؤكد كذلك على أن هذه الأكلة الشعبية تحضر في وقت مبكر وتطهى على الفحم، والذي يعطيها طعما مميزا ليتوافد عليها الأغنياء قبل الفقراء، حيث يتوافد الزبائن على محلات طبخ الحمص المتواجدة في مدينة قسنطينة مباشرة بعد أداء صلاة الفجر، لتناول هذا الطبق الذي يقطع الطريق أمام زحف الجوع إلى غاية ساعات متأخرة من الزوال.

أما “عمي رشيد ” فيقول: “أعمل في هذا المحل منذ 60 سنة، ويقصد المحل زبائن من مختلف ولايات الوطن وليس فقط من مدينة قسنطينة، لتناول هذه الأكلة الشعبية”، هذه الأكلة التي لقبت بـ “صديقة الفقراء” بسبب سعرها المنخفض.

أما عن كيفية تحضير هذه الأكلة، فيخبرنا قال عمي رشيد بقوله: “هذا الطبق يبدأ تحضيره ليلة من قبل، على نار فحم هادئة، ويضاف إليه مجموعة من التوابل كالكمون والفلفل الأسود، وتقدم في صحن الفخار، ويضاف إليه زيت الزيتون”.

ثم أضاف موضحا لنا أنه قبل عملية طبخ الحمص “يوضع هذا الأخير في الماء لمدة ثلاثة أيام، مع تغير الماء بشكل دوري، فيما يوضع في مياه معدنية في اليوم الرابع، ليقوم بعد ذلك بطبخه ليلة كاملة على الجمر على نار هادئة، وبعد الانتهاء من طبخه تضاف له خلطة أخرى من زيت الزيتون والكمون والهريسة، كما يضاف إلى هذه الأكلة الشعبية قليل من الليمون