الحب والألم في المجموعة القصصية ( أرصفة التعب) للكاتبة هند يوسف خضر
- الصحفي إسراء عبوشي --
- 2024-11-11 --
- 07:25:22
صدر
عن دار بعل للطباعة والنشر والتوزيع هذا العام المجموعة القصصية (أرصفة التعب)
للكاتبة هند يوسف خضر، التي تقع في 134 صفحة من الحجم المتوسط، متضمنة 40 قصة
قصيرة اجتماعية واقعية.
نحن
أمام كاتبة مفعمة بالحب منذ الإهداء إلى محطتها الأخيرة يَشعر القارئ بهذا الحب مع الكاتبة ، وإن لم
تكتب نفسها هي تمطر رذاذ روحها على أغلب أبطال قصصها، لا أعرف الكاتبة لكنني
أحببتها، فمن يملك هذه الروح الجميلة التي تحيل المأساة إلى حياة، بأسلوب سردي بسيط يتنقل بين المفردات، ويحسن
اختيار المعاني ، ويحاكي فكر القارئ ومشاعرة يستحق هذا الحب.
وليس
هذا الحب إلا عدوى أصابتني من الحب الجميل الصادق والعفوية الرقيقة وفي قصص
المجموعة القصصية.
حاورت
الكاتبة مشاعر القارئ، من خلال طرحها لمشاعر متباينة يسوقها القدر، ما بين خذلان
وحب واستمرارية حياة، فتحت الأبواب المؤصدة على الألم.
يبتعد وسيم في قصة (غيبوبة) لكيلا يؤلم حبيبته
بمرضه، فيؤلمها بغيابه، ويعود وقد تزوجت رغم أن حب وسيم ما زال بقلبها، ببساطة
وعفوية تتوالى الأحداث، لا تجلد الكاتبة أبطالها فقط هي تفسح المجال للواقع والقدر
ليتحكما بسير القصة.
والقدر
يكون بطل قصة (موسيقى) كذلك حيث تصاب زوجة الأب بالعمى، فتأتي ابنة زوجها دينا
لخدمتها، بعد أن أذاقتها مختلف أصناف العذاب، قصة اجتماعية واقعية ومؤثرة.
وفي
قصة (غيبوبة) حب ماجدة الجارف يعرضها لألم غير مبرر لسنوات، ويجبرها أن تختار حياة
لا تريدها، تنعدم خياراتها ليعود الحبيب ويشرح نفسه بعد فوات الأوان، هي رسالة
فحواها: أبقى معي ولنواجه الحياة معا، خير أن نواجه العالم كلٌّ على حِدَة، ولنتألم -سويا- خير من أن يكون
كل منا سبب ألم الآخر
ومن القصص التي استوقفتني وأظهرت مهارات
الكاتبة، وقدرتها على السرد قصة (بلا أصابع) هذه القصة ملخص للمشاعر الإنسانية بكل
معانيها، تبدأ من الألم الذي يطغى على قصص المجموعة ثم الرحمة وما تعنيها من سمات،
وتنتهي بالوفاء، بأسلوب سردي يأخذ القلب، ويتماهى مع ركن في الوجدان النقي، حيث
نتمنى أن يضغي على كل ما نراه، ويمر علينا في حياتنا.
دماء الطفلة مقطوعة الأصابع تصبح لوحة فنية
وكذلك المنقذ يوسف.
وتعالج القصة ظاهرة النمر لا تطرحها فقد بل تجد
حلا لها، حيث إن النجاح وحده الرد على كل المتنمرين.
وكان للقضية الفلسطينية ومخيمات اللجوء
والمقاومة نصيب من قلم الكاتبة، حيث استطاعت أن تختصر القضية بأحلام مؤجلة، فكمْ
من شاب وفتاة بقيت أحلامهم مؤجلة في وطن شهد أطول احتلالا على وجه الأرض، ولتقول
إن لكل فلسطيني نصيب من مأساة وطنه.
أما حلم العودة للوطن فهو مرادف للاستشهاد، سيان
عند أبي خالد _المنفي في مخيمات اللجوء_ أن يعيش على أرض وطنه أو يدفن في جوفها،
كلاهها وطن.
بدأت العديد من القصص في المجموعة من الشوارع
والطرقات، وكأن الكاتبة تطالع وجوه المارة وتستقي من بريق عيونهم مآسيهم، وتشعر بألآمهم
من خلال زفراتهم، تعبر عما لا يستطيعون التعبير عنه، تعارك معهم الألم وتبحث عن
انصاف لأرواحهم وتربت على أكتافهم وتحاول أن تحوله إلى أمل، وتقول في النهاية إن
الدنيا بخير، وتناقش كذلك عادات المجتمع وتقاليده وقيوده...
استخدمت
الكاتبة عبارات بلاغية ولغة شعرية :
لعلها
تعيد جنون البحر بحفنة ملح
عسانا
نجد ما أضعناه من أيدينا عند مفترق قلب ونبضة
دخل
في إناء قلبه يرتشف الأمل
لا
أجيد فن أنصاف المطر، وفن الجلوس على طاولة الشاطئ
التوقيت
الرمادي
الذي
يسقط حلمه مضطر للسقوط في قعر الحياة
وغير
ذلك الكثير من العبارات التي أثرت السرد، وأعطت عمقا للمجموعة، يؤولها القارئ حسب
هواه
وهذا دليل على أن الكاتبة تملك لغة جزيلة
وعميقة، وإمكانات شعرية خلاقة، وظفتها بأسلوب سردي متمكن، لا يمكن أن يقف القارئ
متفرجا بل تلك اللغة تحثه على المشاركة وتثير وجدانه وتؤثر في فكره وتأخذه بعيدا
ليعود محملاَ بالكثير من المعاني...
وقد
كررت الكاتبة أسماء شخصيات أبطالها مثل: ماجدة، هند، شغف، جمال، وسام، في أكثر من
قصة ضمن قصص المجموعة، وهذا حدث معي عندما كتبت مجموعتي القصصية ( ياسمين) وكأن
الشخصيات عاشت معها مراراً وتقمصت حيوات
عديدة وبحثت مع الكاتبة عن انعتاق روحها الغير قابلة للرحيل.