الأرضُ هامدة، والأُمة نائمة

الأرضُ هامدة، والأُمة نائمة

ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه اليوم بالأمس"؛ فبعد أن مضى عام كامل على العدوان الصهيوني الوحشي الإجرامي على الشعب الفلسطيني، والذي بدأ بعد يوم السابع من أكتوبر 2023م، حتى تجاوزنا تاريخ السابع من أكتوبر  2024، وحرب الإبادة مُستمرة؛ حيث تواصل عصابة الاحتلال الصهيوني الخنزيري العُنصري حرب الإبادة الوحشية بوتيرة عالية ومتصاعدة، وبشكلٍ جنوني، وهستيري، ولازالت ترتكب العديد من المجازر الوحشية في كل مكان في قطاع غزة؛ مُستغلة انشغال العالم ووسائل الإعلام بسبب الحرب الصهيونية على لبنان؛ وقد قامت عصابة كيان الاحتلال المجرم بفرض حصار خانق على شمال قطاع غزة خاصة مدينة بيت حانون، وبيت لاهيا، ومخيم جباليا، وتزامن الحصار الوحشي على شمال قطاع غزة مع منع دخول الطعام، والشراب، وشاحنات المساعدات منذ إحدى عشر يومًا، معرضة بذلك ما يقارب من نصف مليون فلسطيني في شمال قطاع غزة ممن بقوا صامدين في بيوتهم طيلة أكثر من عام لخطر الموت جوعًا، وعطشًا، مع قصف وحشي لا يتوقف!؛ مما أدى إلى وقوع مجازر بشعة في شمال القطاع بعيدًا عن الإعلام، وتشابه تلك المجازر لما حصل من مجازر  صهيونية وحشية في المخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا عام 1982م، التي قام بها السفاح الصهيوني المجرم الهالك "شارون" في ذلك الزمان!؛ والليلة الماضية حصل ما لم يخطر على بال، ولم يتصوره إنسان من وحشية صهيونية فاقت النازية والداعشية في إجرامهم!؛ ويُصدم الإنسان من هول ما يشاهد من مجازر صهيونية إرهابية تقشعر لها الأبدان وتشيب لهُولِهَا الولدان!. حيثُ تعتصر منها قلوبنا  ألمًا، وحسرةً، ولوعةً، ومرارةً، وهمًا، وحُزنًا مما يجرى أمام مسمع، ومرآي العالم الأبكم الأعمى من مجازر  وحشية لا تتوقف، وخاصة ما حدث بالأمس حينما أَبصرنا النيران مُلتهبة، لهابة، وهي تلتهم، وتحرق أجساد وأفئدة  الأبرياء من النساء، والأطفال، والشباب، حينما كانوا نيام ليلاً في داخل خيام اللجوء، والنُزوح في "دير البلح" في غزة، وتطايُر الشرر على أثر القصف الصهيوني الوحشي الإجرامي، فاستشهد بعضهم حرقًا!؛ وهذا المشهد المؤلم الأليم يُذكرنا في قصة أصحاب الأخدود قال تعالى: "قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ "!؛ وعلى الرغم مرور أكثر من عام على المجازر الوحشية الصهيونية، واستمرار عملية التطهير العرقي والإبادة الجماعية لكل سكان غزة، والتي ترتكبها عصابة الجيش الصهيوني؛ والشعب الفلسطيني وحيدًا  يُباد  من غير ظهير، ولا نصير لهم من الأخوة العرب، والمسلمين، وصار الصمت حاليًا هو سيد الموقف، وكأنهم يتفرجون على "فيلم" لشعبٍ يباد من غير رحمة، ولا رأفة، وتقف الشعوب العربية والإسلامية عاجزة، ومتفرجة  مثلها مثل الحكام لا يحركون ساكنًا لوقف تلك المجازر، وحرب الإبادة!؛ وحتى أنهم لم يخرجوا مُجددًا في مظاهرات تكُون حاشدة ليُساندوا أشقائهم من أبناء الشعب الفلسطيني المكلوم!؛ بل بات من الواضح بأن الأمًة العربية الحالية قد تفُتت، وتفككت، وتمزقت، وضاعت في وحل التصدع والصراع، والنزاعات العرقية، والطائفية، والخلافات السياسية سيدة الموقف فصاروا في ذيل الأُمم!؛ ولذلك فإن بعض نكباتنا هي من صُنع أيدينا، بسبب هواننا على أنفسنا، وتفرقنا، لدول، ولدويلات، وفرق، وأحزاب  وما حل في العالم العربي والإسلامي منذ قرون إلى الآن إنما هو كالوحل، وهو من نتاج نجاح الأعداء في إيجاد كل أنواع الشقاق، وتأجيج نار الفرقة بين أبناء الأمتين العربية، والإسلامية، بدءاً من تقسيم المسلمين عرقيًا، وطائفيًا، بعدما قسمهم جغرافيًا بعد اتفاقية سايكس بيكو، وتعيين بعض الحكام ممن هواهم تابعين للأعداء، وضد هوى أوطانهم، وشعوبهم، ودفعهم، وحرضهُم على الاقتتال فيما بينهم!؛ ولنا من القصص التاريخية أكبر موعظة فيما يحصل اليوم، وعلى سبيل المثال: "في عام 1099م وصلت جيوش الحملة الفرنجية (الصليبية) الأولى إلى أسوار بيت المقدس، هذه الجيوش التي خرجت تلبية لنداء المؤسسة البابوية الصليبية في أوروبا، فاجتاحت بلاد الشرق محدثةً الفظائع، والمذابح في سكانها من مسلمين وغيرهم، وقد تتوجت هذه الحملة الإفرنجية باحتلال بيت المقدس وإخلائه من سكانه ذبحاً وتهجيراً"؛ وكان العالم الإسلامي أنداك تحكُمه الدولة العباسية، والدولة الفاطمية الإسماعلية في مصر، كما كان هناك عدد من الدول والدويلات ذو النزعات الانفصالية، والتي كانت تدين بالولاء إما للدولة العباسية أو الفاطمية، وفي خضم هذا الصراع بين مكونات العالم الإسلامي، وجد الفرنجة طريقاً معبدًا، وسالكاً كي يمروا به، وصولاً لهدفهم الصليبي الأول، ألا وهو احتلال بيت المقدس، ومما زاد الطين بلة، أن أطرافًا من المكون الإسلامي تطوعت بكامل إرادتهم للتحالف مع العدو من الغزاة الفرنجة ضد السلاجقة الذين كانوا يحكمون فعلياً الدول العباسية!. واليوم كأن الزمن يعيد نفسه تمامًا تجد من يطبع مع العدو الصهيونية، ويوقع بعضهم على مَقتَلة بيده من خلال مؤامرة أمريكية صهيونية جديدة  سموها:" الديانة الإبراهيمية"!؛ ويشاهد شعب فلسطين يذبح، ويُقتل ولا ينصرونهم؛ وفي المقابل   يُصرح بعض قادة عصابة العدو الصهيوني التطبيع بتصريحات علنية مثل ما صرح به الخنزير وزير مالية المُستعمرة الصهيونية  المجرم "بتسلئيل سموتريتش"، والذي قال علنًا في مقابلة مع قناة تلفزيونية صهيونية إن "حدود القدس يجب أن تمتد بعد لبنان إلى العاصمة السورية دمشق، ثم الاستيلاء أيضا على الأردن!؛ والناظر إلى علم عصابة الكيان الصهيوني تجد فيه خطين  أزرقين، وهما يرمزان حسب التوراة المُحرفة عندهم إلى حدود المستعمرة ما تسمى "بإسرائيل الكبرى" التي يسعون حسب أحلامهم الشيطانية لتمتد من نهر الفرات في العراق شرقا إلى نهر النيل في مصر غربا، وتشمل هذه الحدود كل الأراضي الواقعة بين النهرين بما فيها الأردن ولبنان وسوريا، وكُل فلسطين، والعراق، وشمال السعودية، وصولاً إلى النيل في مصر!؛ كل تلك المخططات "الصهيو أمريكية الشيطانية السرطانية " من أفكار وأحلام الصهيونيّة المسيحيّة الغربية اللاهوتية "، والتي تعمل جاهدة اليوم، وبصورة علنية بتطبيق معتقدات توراتية باطلة، ويسعون في الأرض فسادًا من أجل تدمير المُدمر ممن تبقى من الدول العربية المتماسكة، وتقسيم المُقسم، والسيطرة على كل خيرات العرب، وتدمير كل مقدرات الوطن العربي واحتلاله من المحيط إلى الخليج!!.  

كُل ذلك، والأرض العربية بعدها هامدة، تنتظر نزول الغيث لتهتز، ولتنمو، ولِتزدهر؛ وأما الشعوب العربية فهي لا تزال  نائمة، لكنها تتأمل، وتنتظر خروج قائد عربي إسلامي، ولكن أَنا لهم ذلك، والأمة نائمة!؛ وليس الحكام فقط النيام!؛ بل أغلب الشعوب العربية، والإسلامية لاهية قلوبهم، ويتفرجون على فلسطين، ولبنان من خلف شاشات التلفاز، وهما يذبحان! ألا يعلم هؤلاء أن الدور سيأتي عليهم كذلك، وصدق الشاعر المتنبي حينما قال: "  وإذا تركت أخاك تأكله الذئابُ فاعلم بأنك يا أخاه ستُستَطابُ، ويجيء دورك بعده في لحظةٍ، إن لم يجئْكَ الذئب تنهشكَ الكلابُ، إن تأكلِ النيرانُ غرفة منزلٍ، فالغرفة الأخرى سيدركها الخرابُ، فلا تتركوا فلسطين، ولبنان تُستباحان!؛ وختامًا على الرغم من كل تلك الجراح النازفة، والقتل والدمار، وتغول الأعداء  سيبقى بصيص من الأمل، ولنعلم أن في نهاية النفق المظلم سيكون فتحة تؤدي إلى النور، وحتى ولو كانت الشهادة، والموت فليست تلك النهاية، والدليل خلال المعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم للسماوات العلا، وجد رائحة طيبة كرائحة المسك، وعندما سأل عليه الصلاة والسلام عن ذلك ، أجابه جبرائيل عليه السلام أنه رائحة الوصيفة التي كانت تعمل في بيت فرعون ( زمن موسى عليه السلام )، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (‏ ‏لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي ‏‏أُسْرِيَ ‏‏بِي فِيهَا ، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ، فَقُلْتُ : يَا ‏جِبْرِيلُ ‏،‏ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ ؟ فَقَالَ : هَذِهِ رَائِحَةُ ‏‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ ‏‏وَأَوْلادِهَا ، قَالَ : قُلْتُ : وَمَا شَأْنُهَا ؟ قَالَ : بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ ‏‏فِرْعَوْنَ ‏‏ذَاتَ يَوْمٍ ، إِذْ سَقَطَتْ ‏‏الْمِدْرَى ‏‏مِنْ يَدَيْهَا ، فَقَالَتْ : بِسْمِ اللَّهِ ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ ‏ ‏فِرْعَوْنَ :‏ ‏أَبِي ؟ قَالَتْ : لا ، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ ، قَالَتْ : أُخْبِرُهُ ‏‏بِذَلِكَ ! قَالَتْ : نَعَمْ ، فَأَخْبَرَتْهُ ، فَدَعَاهَا فَقَالَ : يَا فُلانَةُ ؛ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ‏ ‏تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا ، قَالَتْ لَهُ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، قَالَ : وَمَا حَاجَتُكِ ؟ قَالَتْ : أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا ، قَالَ : ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ ، قَالَ : فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ ، قَالَ : يَا ‏‏أُمَّهْ ؛‏ ‏اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَاقْتَحَمَتْ ) . ‏‏قَالَ ‏‏ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ‏تَكَلَّمَ أَرْبَعَةُ صِغَارٍ : ‏‏عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام ،‏ ‏وَصَاحِبُ ‏جُرَيْجٍ ،‏ ‏وَشَاهِدُ ‏‏يُوسُفَ ‏، ‏وَابْنُ ‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ"؛ فاين اليوم أولئك المجرمين الكفرة الفجرة فرعون، وهامان، وقارون، والنمرود، وشارون"  في نار جهنم خالدين فيها أبدًا، وأين الموحدين من الأنبياء، والشهداء والصالحين، في جناتٍ، ونهر مقعد صدق عند مليكٍ مُقتدر"؛ فيا أهل فلسطين": "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"؛ ونختم بالحديث الشريف عن عتبة بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : " لو أنَّ رجلاً يُجرُّ على وجهه من يوم وُلد إلى يوم يموت هرمًا في مرضاة الله ، لحقره يوم القيامة".