قسنطينة ..جسور عاصمة الثقافة والفنون تعانق المالوف في مهرجانه الدولي

قسنطينة ..جسور عاصمة الثقافة والفنون تعانق المالوف في مهرجانه الدولي

عين الجزائر - انطلقت فعاليات الطبعة الثانية عشرة للمهرجان الدولي للمالوف في قاعة العروض الكبرى أحمد باي "زينيث" بمدينة قسنطينة،أول أمس السبت بحضور جماهيري مميز، ومشاركة تسع دول أجنبية للمرة الأولى. المهرجان الذي يمتد من 14 إلى 18 ديسمبر، يواصل جمع نخبة من فناني قسنطينة، بالإضافة إلى مشاركات من العاصمة وتلمسان، ليعكس مرة أخرى أهمية هذا الفن التراثي الذي يشكل جزءًا أساسياً من هوية المدينة الثقافية.

 

افتتح الحدث في السهرة الأولى بتكريم عدد من رواد المالوف الذين لعبوا دوراً مهماً في الحفاظ على هذا الفن العريق عبر الأجيال، سواء في الجزائر أو في دول الجوار كليبيا وتونس. من بين المكرّمين، تبرز الفنانة ثريا، أول صوت نسائي في تاريخ المالوف، بالإضافة إلى الفنان التونسي زياد غرسة، ووجوه أخرى ساهمت في إثراء هذا اللون الفني. كما شملت الفقرة الأولى من السهرة عرضاً بعنوان "لوما هواكم". وامتاز الحفل بحضور السفير الياباني بالجزائر، ما منح الحدث طابعاً دولياً مميزاً.

 

وفي كلمة ألقاها رئيس ديوان وزارة الثقافة محمد سيدي موسى نيابة عن وزير الثقافة زهير بلالو، أكد أن المالوف ليس مجرد لون موسيقي بل هو جزء من الهوية الوطنية الجزائرية، ويُعتبر أحد رموز الثقافة الجزائرية وتاريخها العريق. أضاف أن ألحان المالوف تمثل مزيجاً من الروح الصوفية والنغمات العريقة، مما يجعل هذا الفن عنصراً لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية الجزائرية.

 

 

وأشار الوزير إلى أن مدينة قسنطينة، المعروفة بأنها منبع العلم والفنون، كانت ولا تزال مصدر إلهام للإبداع الفني، وأن المالوف يشكل أحد أبرز معالمها الثقافية التي تعكس روح المدينة. كما شدد على أهمية الحفاظ على التراث غير المادي، وأوضح أن الوزارة تبذل جهوداً مستمرة لتوثيق وتصنيف هذا الفن العريق ضمن استراتيجيتها الهادفة إلى تعزيز الموروث الثقافي الوطني.

 

في السهرة الأولى، شارك جوق المالوف بقيادة سمير بوكريديرة، حيث قدّم الفنان سليم الفرقاني وصلات موسيقية استحضرت روح والده، الحاج محمد الطاهر الفرقاني، الذي يُعتبر من أبرز أعلام المالوف في قسنطينة. قدّم الفرقاني طابع "المايا"، وسط تفاعل ملحوظ من الجمهور، ما أعاد للحضور أجواء الماضي التي كانت تحمل فيها شوارع المدينة نغمات المالوف التي تمثل جزءاً من الحياة اليومية. كما قدّمت الفنانة الفلسطينية سناء يونس فقرة مؤثرة عبر موال شعبي يعكس معاناة وطنها، وسط تصفيق حار من الجمهور الذي رحب بها بحفاوة. وكانت فلسطين ضيف شرف المهرجان لهذا العام.

 

وشهدت السهرة أيضاً مشاركة الفنانة التونسية محرزية الطويل التي قدمت مقتطفات من نوبة "الحسين"، مرتدية القندورة القسنطينية التي تم تصنيفها مؤخراً ضمن التراث الجزائري في قائمة اليونسكو. وأوضحت الفنانة في تصريح لها أن المهرجان يشكل فرصة لتقوية الروابط الثقافية بين الجزائر وتونس من خلال المالوف.

 

أما الفنانة اليابانية ناهومي كوباسو، المعروفة بلقب "فيروز اليابان"، فقد أبهرت الحضور بوصلة موسيقية جمعت بين المالوف الأندلسي والموسيقى اليابانية التقليدية، حيث قدمت الأغاني باللغتين العربية واليابانية، وهو ما يعكس الطابع الدولي للمهرجان ويبرز قدرته على الجمع بين الثقافات المتنوعة عبر الموسيقى.

 

واختتمت السهرة مع الفنان سليم الفرقاني، الذي قدم وصلة موسيقية من تراث قسنطينة، ترافقه فرقة تقليدية عزفت على العود والجواق والطار. استمرت وصلة الفرقاني قرابة 45 دقيقة، مزج فيها بين الأصالة والروح الطربية، مما نال إعجاباً كبيراً من الجمهور وأعادهم إلى أجواء الماضي عندما كان المالوف يعبر عن هوية المدينة الثقافية.

 

لقد كان المهرجان الدولي للمالوف في قسنطينة أكثر من مجرد احتفالية موسيقية، بل كان مناسبة ثقافية مهمة تسلط الضوء على أهمية التراث الموسيقي كجزء من الهوية الوطنية الجزائرية. كما أنه كان وسيلة رائعة لتعزيز الروابط الثقافية بين مختلف الشعوب، مما جعل هذا الحدث محطة فنية بارزة على الساحة الدولية، مؤكداً قدرة الجزائر على استقطاب الأنظار العالمية من خلال فنها العريق.