تساؤلات حول ما سيؤول إليه المشهد السوري..

مع عودة الأوضاع إلى الاستقرار التدريجي في سوريا، ما زال الغموض يكتنف المشهد السياسي في هذا البلد العربي الذي تعرضت قدراته العسكرية خلال أيام قليلة إلى تدمير شبه كلي من طرف جيش الاحتلال الصهيوني، فيما تُبدي الأطراف الدولية و الإقليمية ترقبا حذرا لما يمكن أن تصبح عليه التوجهات السياسية و الاقتصادية للسلطة الجديدة المهيمنة على دواليب الحكم منذ سقوط نظام الأسد، و فرار الأخير إلى موسكو..

و لعل السؤال الملح، الذي يطرحه العديد من المراقبين، هو مدى قدرة هيئة تحرير الشام، على التحول إلى كيان سياسي براغماتي، يستطيع إدارة الأوضاع الجديدة في سوريا، بما يراعي المعطيات الدولية و المحلية.

و مما لاشك فيه، أن تصنيفها كمنظمة إرهابية أمميا وأميركيا، ما انفك يمثل تحديا كبيرا على طريقها، بالرغم من المحاولات العديدة لهذه الهيئة من أجل تبني سياسات أكثر انفتاحا وإجراء تغييرات تظهر استعدادها للتحول إلى قوة سياسية شرعية.

و الملاحظ، من وجهة بعض المراقبين أن الهيئة أظهرت خطوات منذ عام 2019 باتجاه "الانفتاح التدريجي"، عبر تعاملها المختلف مع احتجاجات إدلب الأخيرة، حيث استخدمت وسائل غير عنيفة مثل الغاز المسيل للدموع، وهو تطور يفهم ضمن محاولاتها لنيل رضا الولايات المتحدة وإخراجها من خانة التصنيف الإرهابي.

فالمجتمع الدولي، يتابع هذه التحولات عن كثب، حيث يُنظر إلى هيئة تحرير الشام كاختبار حقيقي لإمكانية تطور كيان كان متشددا أيديولوجيا إلى تنظيم سياسي مدني يكون قادرا  على المساهمة في صياغة مستقبل سوريا وفق قواعد دستورية متفق عليها.

و بهذا الخصوص، تنّم تصريحات زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع ( أبو محمد الجولاني)، بشأن نهاية الحكم المركزي والاتجاه نحو اللامركزية، عن واقعية جديدة في مواكبة تطورات الوضع. وعلى اعتبار أن المركزية هي أحد أسباب الاستبداد في سوريا، مشددًا على أهمية اعتماد نهج يمنح السوريين حقوقهم الثقافية والاجتماعية في إطار وطني موحد.

 

و لعل أبرز التحديات التي تواجه هيئة تحرير الشام والحكومة السورية المؤقتة مرتبطة بمدى بقدرتها على تقديم نفسها كجهة سياسية مستقلة، قادرة على تجاوز التصنيفات الإرهابية والاندماج في المشهد السياسي الدولي.

و من البديهي، أن إسقاط الهيئة من لائحة الإرهاب، يقتضي القيام بإجراءات واضحة، كدمج الميليشيات في جيش وطني واحد، وصياغة دستور مدني يضمن تداولًا سلميًا للسلطة، وهو أمر ليس من السهل تحقيقه في ضوء المعطيات الراهنة.

 

آخر الكلام.. أكبر خطر قد يهدد مستقبل هيئة تحرير الشام على مسار تحولها إلى كيان سياسي مدني يؤمن بالديمقراطية، هو الانزلاق مجددا إلى صراعات سياسية تؤججها المصالح الضيقة.

 

محمد مصباح